العالمة، فعلمنا أن المراد بذلك الأعيان والذوات دون غيرها، وعلى هذا الوجه قال تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة. لسعيها راضية) [١] فنبه سبحانه بذكر رضا السعي على أن المراد بهذا الكلام ذوات الناس دون الأبعاض التي هي الوجوه على الحقيقة، لان الامر لو لم يكن كذلك لكان إضافة السعي إلى الاقدام أولى من اضافته إلى الوجوه. وهذا نبين ولله المنة!.
فان قيل: كيف انتقل الخطاب من المواجهة إلى الغيبة، فقال سبحانه: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب)، ثم قال: (أو نلعنهم).
قيل: في ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها، أن يكون الكلام على مثال قوله تعالى: ﴿حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة..﴾ (2)، وذلك مما يرد في كلام العرب واشعارها. فتعرف به قدرتها على التصرف في أقطار الكلام، والتفسح في أعطان الخطاب، فتارة يكون مواجهة لأنه أبلغ في المخاطبة، وتارة يكنى عن المخاطبين كما يكنى عن الغائبين، لان ذلك أشد تصرفا وأغرب طريقة ومذهبا، وعلى ذلك قول الشاعر (3):
يا لهف نفسي كان جدة خالد * وبياض وجهك للتراب الأعفر فانتقل من الغيبة إلى المواجهة شجاعة في البلاغة وإبعادا في مسالك الفصاحة والجواب الثاني، أن يكون الضمير عائدا على أصحاب الوجوه،