أنه تعالى قال: (آمنوا من قبل أن ينزل بكم هذا العقاب)، ومعلوم أن سائر الأوقات التي يبقون فيها على تكليفهم داخل تحت هذه اللفظة التي هي (قبل)، ومعلوم في جميع عمرهم انه وقت للايمان، فجاز من هذا الوجه أن يكون الوعيد بالطمس متأخرا عن حال الدنيا.
5 - وقال بعضهم: معنى طمس الوجوه هو إزالة رسومها وتنكير معارفها، وهو معنى قوله: (فنردها على أدبارها)، أي: نشبه الوجوه في محو الأسارير وإزالة التخاطيط بأقفائها، فقوله تعالى: (فنردها على أدبارها) تفسير لطمس الوجوه. وهذا المعنى - والله أعلم - هو المراد بقوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) [1] فان الوجوه إذا جعلت اقفاء كان إيتاء الانسان كتابه من وراء ظهره، على الحقيقة، ومن حيث يكون وجهه وفيه لسانه وطرفه، لأنه إنما ينظر إلى كتابه بعينه ويقرأ مضمونه بلسانه، وذلك كله في وجهه. وهذا أحد العذابين اللذين أوعد بهما الله تعالى فيكون وقوع الطمس على الوجه المذكور في الآخرة، ويكون المقدم في الدنيا هو اللعن لهم [2] وإلحاق الذم بهم، كما قال تعالى: (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت). والى هذا المعنى قصد أبو مسلم بن بحر في الكلام على هذه الآية، وكنت أظن أنه من اختراعاته حتى مضى بي لأبي العباس المبرد، وقد زاد فيه أن قال: