(فنردها على ادبارها) اي: نركسها ونرديها، وعلى ذلك قوله تعالى:
﴿أما فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا..﴾ (1) وقوله سبحانه: (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله..) (2)، والمراد الارتكاس في الغي والرجوع عن الرشد، ولفظ الاعقاب مجاز، وليس هناك على الحقيقة أقدام ترجع على أعقابها، ولا وجوه ترد على أدبارها.
والمعنى الآخر، أن يكون المراد بالوجوه ههنا الأعيان والذوات، لا الأعضاء والأبعاض، كما يقال: هذا وجه الامر وهذا وجه الرأي، والمراد به نفس الشئ المؤمى إليه، فيكون المعنى أيضا قريبا مما قلناه في الوجه المتقدم، أي: آمنوا من قبل أن نهلك أعيانكم وذواتكم ونركسكم على أدباركم. وإنما عبر تعالى بالطمس عن الاهلاك والاركاس، لما جاء بلفظ الوجوه، إزواجا للكلام وجريا على سنن عادات أهل اللسان، كما قلنا في الوجه الأول، ومما يشهد لذلك تأويلنا قوله تعالى:
(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) [3] على أن المراد به الجمل والذوات، لا الأبعاض المخصوصات، لأن هذه الصفة تليق بجملتهم لا لأبعاضهم، لان البعض [4] لا يكون ناظرا، كما لا يكون فاعلا ويزيد ذلك بيانا قوله تعالى من بعد: (ووجوه يومئذ باسرة 24 تظن أن يفعل بها فاقرة 25) فعلق سبحانه بها الظن الذي لا يليق إلا بالجملة