فصل (الراسخون في العلم وعلمهم بتأويل الكتاب) فأما قوله تعالى في ذيل هذه الآية: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) فبين العلماء فيه اختلاف:
فمنهم من جعل الوقف عند اسم الله تعالى، واستأنف قوله سبحانه:
[والراسخون في العلم يقولون آمنا به]، فمن ذهب إلى هذا المذهب منهم يخرج العلماء عن أن يعلموا كنه التأويل وحقيقته، ويطلعوا طلعه (1) ويستنبطوا غوامضه، ويستخرجوا كوامنه، وحطهم بذلك عن رتبة قد استحقوا الايفاء عليها واطلاع شرفها (2)، لان الله سبحانه قد أعطاهم من نهج السبيل وضياء الدليل ما يفتتحون به المبهم ويصدعون المظلم (3)، وكل ذلك بتوفيق الله إياهم ونصب منار الأدلة لهم، فعلمهم بذلك مستمد من علم الله سبحانه، فلا معنى للوقوف بهم دون هذه المنزلة، والاحجام عن إيصالهم إلى أقصى هذه الرتبة.
وأما الذين يجعلون الوقف عند قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، فيوفون الاستثناء حقه بادخال العلماء فيه، ويجعلون لهم مزية العلم بتأويل القرآن، ومعرفة مداخله ومخارجه، وسلوك