قال سبحانه: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده...) [1]، وظاهر هذا الكلام يدل على أن قبول التوبة غير واجب، وأنه سبحانه متفضل بذلك وله ألا يفعله كسائر ما يتفضل به!
فالجواب: أن اطلاق اسم التوبة ههنا من غير صفة تدل على صحتها أو بطلانها لا تعلق فيه لخصومنا، لان التوبة عندنا لها شرائط، متى لم تكن مطابقة لها وواقعة عليها كانت غير مقبولة، ويجري ذلك مجرى قولهم: (حجة)، في أنها قد تكون صحيحة لازمة، وقد تكون باطلة داحضة، فإذا كانت على الوجوه التي يجب أن تكون عليها، وصفت بالصحة والثبات، وإن كانت على ضد ذلك وصفت بالبطلان والاندحاض، ألا ترى إلى قوله تعالى: (حجتهم داحضة عند ربهم...) [2] فسماها: حجة، ووصفها مع ذلك بأنها داحضة لا تنصر قائلها ولا تنفع المدلي بها.
فلهذا قد تسمى التوبة: توبة، مع ذلك غير مقبولة، لأنها لم تقع مطابقة لشرائطها، وعلى ذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا...) [3]، وقرأ أبو بكر بن عياش منفردا عن سائر القراء (عن) [4] عاصم نصوحا بضم النون، ومعناه، توبة تنصحون فيها نصوحا، وهو مصدر نصح، ومن قرأ نصوحا بفتح النون، فإنما أراد به صفة التوبة: ومعناه: توبة مبالغة في النصح