وعموداها اللذان بهما تقوم وعليهما تستقيم، فإذا أخل بهما أو بواحد منهما كانت التوبة معتلة غير سليمة، ومعوجة غير قويمة.
وقد روي: أن هذه الآية نزلت في قوم ارتدوا مع الحارث بن سويد ابن الصامت الأنصاري ولحقوا بمكة، ثم راجع الحارث الاسلام ووفد إلى المدينة، فتقبل النبي صلى الله عليه وآله توبته، فقال من بقي من أصحابه على الردة: (نقيم بمكة ما أردنا، فإذا صرنا [1] إلى أهلنا رجعنا إلى المدينة وأظهرنا التوبة، فقبلت منا كما قبلت من الحارث قبلنا)، فهذا الخبر يدل على أنهم عزموا على إظهار التوبة بألسنتهم عياذا [2]، وليسوا بعاقدين عليها اخلاصا فلذلك قال سبحانه: (وأولئك هم الضالون)، لأنهم لو حققوا التوبة وأخلصوا فيها، لكانت مقبولة منهم ومحسوبة لهم.
يبين ذلك قوله تعالى أمام هذه الآية: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم - 89) ومعنى الاصلاح ههنا: الاخلاص في التوبة، حتى يكون الباطن كالظاهر والخافي كالعالن، فأخبر سبحانه أنه لا يقبل من التوبة إلا ما عقدت عليه القلوب والضمائر، وصدقته الأفعال والظواهر.
وقال بعضهم: إنما قال سبحانه: (لن تقبل توبتهم)، لأنهم تابوا من الكفر الزائد، وثبتوا على الأصل الثابت، فلذلك كانت توبتهم غير مقبولة. وقيل: بل تابوا من الكفر الأول ولم يتوبوا من الكفر