الثاني، فكان كفرهم واقعا بعد التوبة، فلذلك لم يقبل منهم.
وقد يجوز عندي - والله أعلم - أن يكون المراد بذلك (لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون) أي: لا تقبل توبتهم وهم على هذه الصفة من كونهم ضالين، فيكون قوله تعالى: (وأولئك هم الضالون) حالا، ولا يكون ابتداء وخبرا، فنفى تعالى قبول التوبة منهم وهم في حال الضلال، لان التوبة - كما بينا أولا - لا يجب قبولها إلا مع الاخلاص والتحقيق، وبقاء العقد والضمير، ألا ترى إلى قوله تعالى في الآية التي فيها يذكر النساء: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين... الآية - 145)، فذكر تعالى بعد ذكر التوبة، الاصلاح والاخلاص، لان التوبة إن لم يتبعها ذلك لم تسم توبة ولم تسقط عقوبة.
وقد دخلت على بعض العلماء [1] شبهة، فزعم أنه لا يجوز أن يكون أراد بقوله تعالى: (لن تقبل توبتهم) عند حضور الموت، وجعل علته في ذلك أن الكافر إذا أسلم قبل موته ولو بطرفة عين، فحكمه حكم من أسلم قبل ذلك بالأيام الكثيرة والمدة الطويلة: في الصلاة عليه والدفن له، وفي الموارثة، وسائر الأحكام الجارية في الشريعة، وذهب عليه انه قد يجوز تعبدنا بذلك كله فيه مع كونه ملجأ إلى إظهار الايمان، كما تعبدنا في المنافقين باجراء احكام المسلمين عليهم، وإن كانوا كفارا بنفاقهم، فكان العمل على صلاح الظواهر مع العلم بفساد البواطن.