فالتقدير أن يكون هذا بلاغ للناس وإنذار، فبطل أن تكون الواو جاءت لغير معنى. وقد أحسن أبو العباس في هذا الجواب غاية الاحسان.
فأما احتجاج من احتج في تجويز ورود الحروف لغير معنى في القرآن بل على طريق الزيادة والاقحام، بقوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم...) [1]، وقوله: إن (ما) ههنا زائدة، والمراد: فبرحمة من الله لنت لهم - فليس الامر على ما ظنه، لان (ما) ههنا لها فائدة معلومة، وذلك أن معناها تفخيم قدر الرحمة التي لان بها لهم، فكأنه قال تعالى فبرحمة عظيمة من الله لنت لهم، وموقع (ما) ههنا كموقعها في قوله تعالى: (فغشيهم من اليم ما غشيهم) [2] فمن قولنا انه تعالى أراد: تعظيم ما غشيهم من موج البحر، ولو لم تكن فيه هذه الفائدة لكان عيا لا يجوز على الحكيم تعالى أن يأتي بمثله، وكان يجري مجري قول القائل: أعطيت فلانا ما أعطيته، إذا لم يرد تفخيم العطية.
وأما استشهاد من استشهد على أن الواو زائدة في قوله تعالى: (ولو افتدى به) بقوله سبحانه: (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها)، ولم يرد بعد ذلك خبر [3] (إذا) - فليس الامر على ما ظنه لان تقدير ذلك عند المحققين من العلماء: (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) دخلوها (وقال لهم خزنتها سلام عليكم)، لان في تفتيح الأبواب