تابوا وقد وقعت توبتهم على الوجه الذي يوجب قبولها منهم! فظاهر هذا الكلام على ما قدمناه لا يدل على ذلك، لأنه تعالى أضاف التوبة إليهم وهي لا تقع منهم على كل وجه يصحح وقوعها، فادعاء العموم في جهاتها لا يصح.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك أن التوبة المتقدمة التي كانت قبل الكفر وقبل الازدياد منه لا تقبل منهم، وقد ازدادوا الآن كفرا، لأنه تعالى قد أخبر أنهم كانوا قبل ذلك مؤمنين بقوله: (كفروا بعد أيمانهم) فبين سبحانه بهذا أن توبتهم وقعت محبطة بالكفر الذي ردفها ووقع في عقبها، وإنما تكون التوبة نافعة إذا استمر التائب على طريقة الصلاح، وبعد من قبائح الأفعال، وخرج عن الأصباب (1) والاصرار، إلى الاشفاق والحذار، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) [1] فلم يجتز بقوله: (تابوا) حتى قال: (واتبعوا سبيلك)، أي: لازموا الطريقة الصالحة، وفارقوا الاعمال الموبقة.
ويحتمل ذلك أيضا أن يكون هؤلاء القوم أظهروا التوبة ولم يعتقدوها بل عزموا في المستقبل على اثبات أمثال ما تابوا منه، ولم يندموا على ما فعلوه لقبحه، وهذان الأمران - أعني: الندم على فعل القبيح لأنه قبيح، والعزم على ترك معاودة مثله في المستقبل - طنبا التوبة