لا يراد به المدح، لأنه لو كان من أسماء المدح لما وصف بعض فاعليه بالكره، فهو على الوجه الذي بيناه، ولهذا صلح أن يدخل تحته من يعقل ومن لا يعقل. ولا يدخل تحت ذلك الجمادات على ما يزعمه من لا علم له من الحشوية، لان الاستسلام على الوجه الذي ذكرناه لا يصح منها على الحقيقة.
وقد يجوز عندي أن يكون قوله تعالى: (وله أسلم) ههنا بمعنى:
سلم، كما يقال: أعلم وعلم بمعنى واحد، فيكون المعنى: وله سلم من في السماوات والأرض، أي، اعترف بعجزه عن مثل قدرته أو انتحال شئ من صنعته، وضعف عن مقاومته ومقاهرته، كما يقول القائل:
قد سلمت لأمرك، أي: عجزت عن مغالبتك، وأقررت بالضعف عن مساواتك ومطاولتك، وهو أيضا راجع إلى معنى القول الأول، إلا أن الفرق بينهما أن أسلم ههنا بمعنى التسليم وهو هناك بمعنى الاستسلام.
وقال قاضي القضاة أبو الحسن (أما قول من حمل (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) على أن جميعهم يعترف بأنه الرب المعبود، وإن كان فيهم من يصدق هذا الاعتراف بالعمل الموافق له ومنهم من لا يصدقه، فبعيد، لان في المكلفين من لا يؤمن بالله تعالى أصلا، إذ المعرفة به تعالى مكتسبة غير ضرورية. وأما قول من حمله على وقوع الاعتراف بذلك من الكفار عند الموت وحال الالجاء، فقريب (1) لان حال المعاينة (2) وزوال التكليف والعبادة يعلم الله تعالى العبد نفسه باضطرار،