هوانا به، فقال هذا أمر غبت عنه، فليس عليك كان العدوان الذي تزعم، ولا العذر إليك لو وجب على العذر عنه.
فأما الجواب المفصل فأن يقال: إن طلحة والزبير قتلا أنفسهما ببغيهما ونكثهما، ولو استقاما على الطريقة لسلما، ومن قتله الحق فدمه هدر، وأما كونهما شيخين من شيوخ الاسلام فغير مدفوع، ولكن العيب يحدث، وأصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا وفارقا الدنيا نادمين على ما صنعا، وكذلك نقول نحن، فان الاخبار كثرت بذلك، فهما من أهل الجنة لتوبتهما ولولا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما، فإن الله تعالى لا يحابى أحدا في الطاعة والتقوى، (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينه (1)).
وأما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة، والكلام في سلامتهما، وإذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما وتحقق، وقوله: " بشر قاتل ابن صفية بالنار "، فقد اختلف فيه، فقال قوم من أرباب السير وعلماء الحديث: هو كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) غير مرفوع، وقوم منهم جعلوه مرفوعا، وعلى كل حال فهو حق، لان ابن جرموز قلته موليا خارجا من الصف، مفارقا للحرب، فقد قتله على توبة وإنابة ورجوع من الباطل، وقاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار، وأما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها، والأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة والزبير، لأنها عاشت زمانا طويلا، وهما لم يبقيا، والذي جرى لها كان خطأ منها، فأي ذنب لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك ولو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الاعراب وأهل الكوفة، على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أكرمها وصانها وعظم من شأنها، ومن أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة. ولو كانت فعلت بعمر ما فعلت به، وشقت عصا الأمة عليه، ثم ظفر بها، لقتلها ومزقها إربا إربا، ولكن عليا كان حليما كريما.