أظهرت نصره، حيث أسررت خبره، فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر (1) وإن ضعف، والمتبرئ من دمه بدفع وإن وهن، ولكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي، وترسل إليه الأفاعي، حتى إذا قضيت وطرك منه، أظهرت شماتة وأبديت طلاقة، وحسرت للامر عن ساعدك، وشمرت عن ساقك، ودعوت الناس إلى نفسك، وأكرهت أعيان المسلمين على بيعتك، ثم كان منك بعد ما كان، من قتلك شيخي المسلمين أبى محمد طلحة وأبى عبد الله الزبير، وهما من الموعودين بالجنة، والمبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة، هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة وإحلالها محل الهون، متبذلة بين أيدي الاعراب وفسقه أهل الكوفة، فمن بين مشهر لها، وبين شامت بها، وبين ساخر منها.
ترى ابن عمك كان بهذه لو رآه راضيا، أم كان يكون عليك ساخطا، ولك عنه زاجرا!
أن تؤذى أهله وتشرد بحليلته، وتسفك دماء أهل ملته. ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها: " إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفى الكير (2) خبث الحديد "، فلعمري لقد صح وعده وصدق قوله، ولقد نفت خبثها، وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها، فأقمت بين المصرين، وبعدت عن بركة الحرمين، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضا من مجاورة خاتم النبوة، ومن قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام حياتهما، فقعدت عنهما وألبت عليهما، وامتنعت من بيعتهما، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا ورقيت سلما وعرا، وحاولت مقاما دحضا، وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا، ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا واضطرابا، ولا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا وارتدادا، لأنك الشامخ بأنفه، الذاهب بنفسه، المستطيل على الناس بلسانه ويده، وها أنا سائر إليك في جمع