عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة، فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه.
وقالوا: والله ما رأينا بعدك مثلك، فقال: أخيرا أم شرا! قالوا: بل خيرا، قال: ولكني ما رأيت بعدكم شرا منكم. فأعادوا الثناء عليه، فقال: بعض ما تأتون به! فوالله إن بغضكم لتلف، وإن حبكم لصلف (1).
قال أبو الفرج: وروى عمر بن شبة، أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر (2) على الوليد، فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد؟ قال:
خير يا أمير المؤمنين، إنه في أول الأمر وصل الرحم، وأحسن الكلام، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنا معهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وأما مظلومون فيغفر الله له، فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين، فإن الحديث ينسى القديم. قال معاوية: ما أعلمه إلا قد أحسن السيرة، وبسط الخير، وقبض الشر. قال:
فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله، فقال: اسكت لا سكت، فسكت وسكت القوم، فقال معاوية بعد يسير: ما لك لا تتكلم يا قبيصة؟ قال: نهيتني عما كنت أحب فسكت عما لا أحب.
قال أبو الفرج: ومات الوليد بن عقبة فويق الرقة، ومات أبو زبيد هناك، فدفنا جميعا في موضع واحد، فقال في ذلك أشجع السلمي وقد مر بقبريهما:
مررت على عظام أبى زبيد * وقد لاحت ببلقعة صلود فكان له الوليد نديم صدق * فنادم قبره قبر الوليد وما أدرى بمن تبدو المنايا * بحمزة أم بأشجع أم يزيد!
قيل: هم إخوته، وقيل: ندماؤه (3).
قال أبو الفرج: وحدثني أحمد بن عبد العزيز، عن محمد بن زكريا الغلابي،