قلت: فصادف ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إيثارا وحبا لنقض العهد، لأنه كان يريد أن يفتح مكة وهم بها في عام الحديبية فصد، ثم هم بها في عمرة القضية، ثم وقف لأجل العهد والميثاق الذي كان عقده معهم، فلما جرى ما جرى على خزاعة اغتنمها.
قال الواقدي فكتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز وغيرها يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في رمضان من سنة ثمان للهجرة فوافته الوفود والقبائل من كل جهة فخرج من المدينة بالناس يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان في عشره آلاف فكان، المهاجرون سبعمائة، ومعهم من الخيل ثلاثمائة فرس، وكانت الأنصار أربعة آلاف معهم، من الخيل خمسمائة وكانت مزينة ألفا، فيها من الخيل مائة فرس، وكانت أسلم أربعمائة، فيها من الخيل ثلاثون فرسا، وكانت جهينة ثمانمائة معها خمسون فرسا، ومن سائر الناس تمام عشره آلاف، وهم بنو ضمرة وبنو غفار وأشجع وبنو سليم وبنو كعب بن عمرو وغيرهم. وعقد للمهاجرين، ثلاثة ألوية: لواء مع علي، ولواء مع الزبير، ولواء مع سعد ابن أبي وقاص، وكانت الرايات في الأنصار، وغيرهم وكتم عن الناس الخبر، فلم يعلم به إلا خواصه، وأما قريش بمكة فندمت على ما صنعت بخزاعة، وعرفت أن ذلك انقضاء ما بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله) من العهد، ومشى الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة إلى أبي سفيان فقالا له: إن إذا أمر لابد له أن يصلح، والله إن لم يصلح لا يروعكم إلا محمد في أصحابه. وقال أبو سفيان: قد رأت هند بنت عتب رؤيا كرهتها وأفظعتها، وخفت من شرها، قالوا: ما رأت قال: رأت كأن دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة مليا، ثم كان ذلك الدم لم يكن، فكره القوم ذلك وقالوا: هذا شر.
قال الواقدي: فلما رأى أبو سفيان ما رأى من الشر قال: هذا والله أمر لم أشهده