هربتم من نسبته لهم إلى الظلم لدفع النص، ووقعتم في نسبته لهم إلى الظلم لخلاف الأولى من غير علة في الأولى! ومعلوم أن مخالفة الأولى من غير علة في الأولى كتارك النص، لأن العقد في كلا الموضعين يكون فاسدا!
قيل: الفرق بين الامرين ظاهر، لأنه عليه السلام لو نسبهم إلى مخالفة النص لوجب وجود النص، ولو كان النص موجودا لكانوا فساقا أو كفارا لمخالفته. وأما إذا نسبهم إلى ترك الأولى من غير علة في الأولى، فقد نسبهم إلى أمر يدعون فيه خلاف ما يدعى عليه السلام، وأحد الامرين لازم، وهو إما أن يكون ظنهم صحيحا، أو غير صحيح، فإن كان ظنهم هو الصحيح فلا كلام في المسألة، وإن لم يكن ظنهم صحيحا كانوا كالمجتهد إذا ظن وأخطأ، فإنه معذور، ومخالفة النص خارج عن هذا الباب، لان مخالفه غير معذور بحال، فافترق المحملان.
[مرض رسول الله وإمرة أسامة بن زيد على الجيش] لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرض الموت، دعا أسامة بن زيد بن حارثة، فقال: سر إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، وإن أظفرك الله بالعدو، فاقلل اللبث، وبث العيون، وقدم الطلائع، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم وقالوا:
يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله لما سمع ذلك، وخرج عاصبا رأسه، فصعد المنبر وعليه قطيفة (2) فقال: " أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة! لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالأمارة، وابنه من (3) بعده لخليق بها،