اثنان، فقال له: أو يطمع يا عم فيها طامع غيري! قال: ستعلم، فلم يلبثا أن جاءتهما الاخبار بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه، وأن عمر جاء بأبي بكر فبايعه وسبق الأنصار بالبيعة، فندم علي عليه السلام على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده عنها، وأنشده العباس قول دريد:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد (1) * * * وتزعم الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلم موته، وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلو دار الهجرة منهما، فيصفو الامر لعلى عليه السلام، ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة، فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وبيعة الناس لعلى عليه السلام بعده، كانا عن المنازعة والخلاف أبعد، لان العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة، ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة، فلم يتم له ما قدر، وتثاقل أسامة بالجيش أياما، مع شدة حث رسول الله صلى الله عليه وآله على نفوذه وخروجه بالجيش، حتى مات صلى الله عليه وآله وهما بالمدينة، فسبقا عليا إلى البيعة وجرى ما جرى.
وهذا عندي غير منقدح، لأنه إن كان صلى الله عليه وآله يعلم موته، فهو أيضا يعلم أن أبا بكر سيلي الخلافة، وما يعلمه لا يحترس منه، وإنما يتم هذا ويصح إذا فرضنا أنه عليه السلام كان يظن موته ولا يعلمه حقيقة، ويظن أن أبا بكر وعمر يتمالآن على ابن عمه، ويخاف وقوع ذلك منهما ولا يعلمه حقيقة، فيجوز إن كانت الحال هكذا أن ينقدح هذا التوهم، ويتطرق هذا الظن، كالواحد منا له ولدان: يخاف من أحدهما