عند البديهة. قوى على الأمور، لا يجوز بشئ منها حده عدوانا ولا تقصيرا، يرصد لما هو آت عتاده من الحذر.
فلما فرغ من الكتاب، دخل عليه قوم من الصحابة، منهم طلحة، فقال له (1):
ما أنت قائل لربك غدا، وقد وليت علينا فظا غليظا، تفرق منه النفوس، وتنفض عنه القلوب!
فقال أبو بكر: أسندوني - وكان مستلقيا - فأسندوه، فقال لطلحة: أبالله تخوفني!
إذا قال لي ذلك غدا قلت له: وليت عليهم خير أهلك.
ويقال (2): أصدق الناس فراسة ثلاثة: العزيز في قوله لامرأته عن يوسف عليه السلام:
(وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) (3)، وابنة شعيب حيث قالت لأبيها في موسى: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين) (4)، وأبو بكر في عمر.
* * * وروى كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت (5) دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: إنه أفضل من رأيك فيه إلا أن فيه غلظة، فقال أبو بكر:
ذاك لأنه يراني رقيقا، ولو قد أفضى الامر إليه لترك كثيرا مما هو عليه، وقد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا ألنت له أراني الشدة عليه. ثم دعا عثمان ابن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: سريرته خير (6) من علانيته، وليس فينا مثله، فقال لهما: لا تذكرا مما قلت لكما شيئا، ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان، والخيرة لك ألا تلى من أمورهم شيئا، ولوددت أنى كنت من أموركم خلوا، وكنت فيمن مضى من سلفكم. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبى بكر، فقال: إنه بلغني أنك يا خليفة