وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله. ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول: " مغمور " أو " مغلوب بالمرض "، وحاشاه أن يعنى بها غير ذلك!
ولجفاة الاعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط:
رب العباد ما لنا وما لكا! * قد كنت تسقينا فما بدا لكا!
أنزل علينا القطر لا أبا لكا!
فقال سليمان: أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد، فأخرجه أحسن مخرج (1).
وعلى نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي صلى الله عليه وآله: ألم تقل لنا: ستدخلونها، في ألفاظ نكره حكايتها، حتى شكاه النبي صلى الله عليه وآله إلى أبى بكر، وحتى قال له أبو بكر: الزم بغرزه (2)، فوالله إنه لرسول الله.
وعمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة، بل مفارقة دار الاسلام كلها، وعاد مرتدا داخلا في دين النصرانية، لأجل لطمة لطمها. وقال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل:
تنصرت الاشراف من أجل لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر!
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قاله عمر * * *