ولم تكن صلته بابن عباد إلا أدبية، وستأتي قصة ذلك، ودخوله أصفهان مع الجعابي كان في طريق الرحلة التي تجمع بين المختلفين بل والمتخالفين، وسماعه من ابن المنجم كان في سن الطفولة بحيث لا يكون تأثر من التلميذ بشيخه، ولا تأثير للشيخ في تلميذه.
بل لقد رأيت ما يدفع عنه تهمة الاعتزال، فقد ذكر الحافظ السلفي - كما تقدم - أن أبا بكر الباقلاني أخذ عن العسكري، وكان أخذه عنه بالإجازة، لا بالسماع، والباقلاني معروف في صلابته في عقيدته بحيث لا يتصور منه حرص على أخذه عن العسكري - لو كان معتزليا - إلى حد أنه حرص على أن يكون بينه وبينه ارتباط علمي ولو بالإجازة، إذ فاته الأخذ عنه بالتلقي والسماع.
وبعد هذا نرى أن عبارة ابن الجوزي كانت أدق من عبارة ابن كثير، وعلى فرض أن ابن كثير أراد المعنى الذي أراده ابن الجوزي فيكون ابن كثير قد غمز (هذا الميل) حيث صدره ب (يقال) مضعفا له متبرئا من تبعته.
وليس الاتهام بعقيدة زائغة - كالاعتزال مثلا - بالأمر الذي يتساهل فيه فيوصم الرجل به، اعتمادا على شبه وتشككات!! نسأل الله السلامة.
ثقافته:
كان الإمام أبو أحمد أحد أفذاذ عصره في علم الأدب بمعناه القديم وهو الذي يجمع اللغة العربية بمختلف فنونها، إلى الشعر وما يتعلق به، إلى أخبار الأمم الماضية وتاريخ العرب وأيامهم، ونوادر الناس وطرقهم، كما نجد هذا عند الجاحظ وابن قتيبة والأصمعي والمبرد وأمثالهم.
قال عنه الإمام السمعاني في (الأنساب): أحد أئمة الأدب، وصاحب الأخبار والنوادر. وقال ابن الجوزي في (المنتظم): الرواية العلامة صاحب الفضل الغزير والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11 / 312): أحد الأئمة في اللغة