وقطع بهم عن امتحان الصبر، وحاد بهم عن آفات الدنيا وفتنتها، ألا وهم الذين قطعوا أودية الشكوك باليقين، وجازوا ظلم الاشتباه بنور البصائر (1) واستعانوا على أعمال الفرائض بالعلم، واستدلوا على فساد العمل بالمعرفة (2) فهربوا عن وحشة الغفلة عما خلقوا له بالتنقل، وتسربلوا العلم باتقاء الجهل، واحتجزوا عن غرة الاضطراب بخوف الوعيد، وجدوا في صدق الأعمال لإدراك الثواب، وخلو عن الطمع / 24 / الكاذب مع معانقة الهوى، وقطعوا منها الارتياب بروح اليقين، واستضاؤا بنور الآخرة في ظلم الدنيا [ظ] وأدحضوا حجج المبتدعين باتباع السنن، وبادروا بالانتقال عن المكروه قبل فوات الإمكان، وسارعوا في الاحسان تعرضا للعفو عن الإساءة، وتلقوا النعم بالشكر استجلابا للمزيد، وصيروه نصب أعينهم عند خواطر الهمم، وحركات الجوارح.
عملوا [ظ] فأخلصوا فادخروا ما عملوا ليوم الجزاء، ولم يبدلوه بالثمن الوكس في الدنيا، والطمع الكاذب، فلجأوا بهذه الأدوات إلى معاقل الإيمان، وتحصنوا من مكائد الشيطان، ومردة الإنس بحصن التوحيد، وتجردوا من سوء ضمائر الأنفس بأعمال الإخلاص، واحتجبوا من تقلب الهوى بلزوم الحق، فوسمهم ذلك بسيماء المتقين، وشواهد الصالحين.
أولئك قوم قطعوا الدنيا بالقوت من الحلال، ودافعوها بالراح، للتجربة والبلاغ لنفاد المدة وانقطاع الأكل، وأحسنوا صحبتها بحسن السيرة منهم في الأخلاق والآداب واصطفوا نور بهجتها، وتلألي زينتها، بحسن وصف الآخرة.
أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، والماء طيبا، وبقاع الأرض مساجد، ومساجدها بيوتا، وبيوتها كمنازل الأضياف.