ألا وإن الأمل يسهي العقل ويورث الغفلة ويأتي بالحسرة.
ألا فاعزبوا عن الأمل كأشد ما أنتم عن شئ عازبون، فإنه غرور وصاحبه مغرور.
وافزعوا إلى قوام دينكم بالجد في أموركم فإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها.
وتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم (1) واعملوا خيرا ليوم يفوز بالخير من قدمه، وانتفعوا بما وعظكم الله به، واذكروا بلاه عندكم.
فسبحان الرحيم بخلقه، الرؤوف بعباده على غناه عنهم وفقرهم إليه قريب الرحمة واسع المغفرة قوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف.
فنحمده على ما أخذ وأعطى، وعلى ما أبلى وابتلى فسبحانك. خالقا ومعبودا (2) وسبحانك بحسن بلائك عند خلقك محمودا.
سبحانك خلقت دارا وجعلت [فيها] مأدبة مطعما ومشربا وأزواجا وخدما وقصورا وعيونا، ثم أرسلت داعيا يدعو إليها، فلا الداعي أجابوا ولا فيما رغبت رغبوا ولا إلى ما شوقت اشتاقوا، أقبلوا على حيفة يأكلون ولا يشبعون، افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها فأعمت أبصار صالحي زمانها، ففي قلوب فقهائهم من عشقها مرض ومن عشق شيئا أغشى بصره وغطى على عورته ما في قلبه من حبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه فهو عبد لها وعبد لمن في يديه شئ منها حيثما زالت الدنيا زال إليها، وحيثما أقبلت الدنيا أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يتعظ من الله بواعظ.