المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - الصفحة ٢٩٥
فأبو بكر وإن كان فاضلا فقد كان في بدنه ضعيفا ولم يكن على أكناف أهل العداوة في الحروب ثقيلا، ولا كان في ذلك مقدما، ولا لعلي مدانيا، وإن كان في منزلة السبق سابقا فلم يكن في شدائد امحن السبق داخلا ولا كان بالحصار ممتحنا وبالفراش مخصوصا وعلي في كل ذلك عليه مقدم.
وأبو بكر وإن كان بالله عالما (1) فلم يبلغ من الرساخة في العلم والذب عن الله بالمحاجة في العلم والدين والرد على الملحدين ما يقرب من منزلة علي (2) في علم التوحيد، وأبو بكر وإن كان خطيبا بليغا (3) فلم يكن في خطبه متسعا ولا في بلاغته مسحنفرا (4) ولا للمعاني الدالة على لطافة العلم بغائص الفهم ولطافة الفكر مستخرجا.
وإن كان أبو بكر هذا صبورا فلم يبلغ من زهده زهد من قاسى الفقر في أوله، وقاسى عدم الكفاية في أيامه، وسعى في طلب قوته بمؤاجرة نفسه، وعف عن مال الله عند إقبال الدنيا عليه وحين أفضت الخلافة إليه.
ولم يمتحن أبو بكر بالاستئثار عليه ولا امتحن في زمانه بحدوث / 87 / الفتن المتراكمة

(1) ولكن لم يكن يتجاوز علمه عما يعرفه كل بدوي بفطرته، أو عجوز بصنعتها، والدليل عليه عدم ورود أثر ولو كان ضعيفا عنه مع شدة حاجة أوليائه إلى ذلك.
ومع كون سلطة بلاد المسلمين إلى الآن بيد أوليائه من غير انقطاع، فالصواب إنه لم يكن في علم الإسلام بعالم، وإلا كان يبرز له علم في بعض مجالات الدين، وحيث لم يظهر منه شئ مع شدة حاجة شيعته إليه إليه ومع تمكنهم في البلاد من عصره إلى عصرنا هذا - يتبين أنه لم يكن عالما، وفي مثل المقام قطعيا وبديهيا يصح أن يقال: عدم الوجدان يدل على عدم الوجود إذ لو كان لبان.
(2) هذا هو الصواب، وفي أصلي: " وما يقرب من منزلة علي.. ".
(3) ولعله أراد بلاغته في خطبته التي ألقاها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله فيها: " ألا ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات؟!! ".
(4) رسم خط هذه الكلمة لم يكن في الأصل واضحا.
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست