فمن بلغ هذه المنزلة؟ في تواضعه وزهده، يخدمهم بنفسه، ويقدمهم قبله، ويكون دونهم في منازلهم.
وكان ربما حضرت الصلاة، وقد غسل قميصه، فلا يكون عنده غيره فيلبسه قبل أن يجف، فيجففه وهو يخطب (1).
فمن بلغ هذه المنزلة في لباسه؟
وذكروا أنه كرم الله وجهه خرج يوما، فإذا قوم جلوس فقال: من أنتم؟ فقالوا:
نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال: سبحان الله فما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟
قالوا: يا أمير المؤمنين وما سيماء الشيعة؟ قال: عمش العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين (2).
وذكروا أنه صلى يوما صلاة الفجر / 71 / فلما سلم انفتل عن يمينه، ثم مكث ساعة كان عليه الكآبة، ثم قلب يده، ثم قال (3):
والله لقد رأيت أصحاب محمد عليه السلام، فما أرى اليوم إنسانا يشبههم، لقد رأيتهم يصبحون صفرا شعثا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزي، قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب ربهم، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله جل ثناؤه مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم.