فخرج [علي] من عندها فتحمل دينارا أخذه قرضا فتلقاه المقداد نصف النهار، وقد وضع المقداد كمه على رأسه من شدة الحر، فقال له علي: ما أخرجك في هذه الحال وأراك كالحيران؟ قال: خلني ولا تسألني. قال: لتخبرني. قال: خلني يا أبا الحسن ولا تكشفني. قال: يا أخي إنه لا يسعني أن أخليك، ولا يسعك أن تكتمني. قال / 70 / خرجت من منزلي هاربا على وجهي وذلك لأني رأيت صبياني ينضاغون جوعا (1) فلم يقو على ذلك صبري.
فأخرج علي الدينار فدفعه إليه، ثم قال: ما أخرجني إلا ما أخرجك. ثم مضى علي إلى المسجد.
فلما فرغ رسول الله عليه السلام من صلاة المغرب خرج من المسجد، وركض عليا برجله وأتبعه علي فوقف على باب المسجد، فلما لحقه قال له النبي عليه السلام: هل عندك عشاء؟ قال علي: فكرهت أن أقول نعم. وقد علمت أني لم أخلف في منزلي شيئا، واستحييت أن أقول: لا. فقال لي: إما [أن] تقول: نعم، فنمضي معك، وإما أن تقول: لا فندعك. قال: فقلت: نمضي يا رسول الله. فمضى هو وعلي إلى منزل فاطمة، فلما دخل قال النبي عليه السلام: هاتي ما عندك يا فاطمة. قال: فأخرجت إليه مائدة عليها طعام طيب لم أر أحسن منه لونا، ولا أطيب ريحا. فنظر إليها علي نظرا وأحد النظر، فقالت: ما أشد نظرك يا أبا الحسن. قال: وكيف لا يكون كذلك وقد زعمت أنه لا شئ عندك. فقالت: والله ما كذبتك. فقال له النبي عليه السلام:
هذا رزق من الله بدل دينارك، الحمد لله الذي جعلك مثلا لزكريا عليه السلام، وجعلها مثلا لمريم: " كلمات دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من شاء بغير حساب " [37 / آل عمران:] (2).