انصرف راشدا وخل بيننا وبين شامنا وتحقن دماءنا ودماء أصحابك.
فقال له علي بن أبي طالب: إنك لم تأل عن النصيحة بجهدك، ولو علمت أنه يسعني في ديني [المداهنة] أجبتك ولكان أهون علي في المؤنة ولكن الله لم يرض لأهل القرآن أن يعمل [الناس] بمعاصي الله في أكناف الأرض وهم سكوت (1) لا يأمرون ولا ينهون. واعلم يا حوشب أني (2) قد ضربت الأمر ظهره وبطنه وأنفه وعينيه حتى لقد منعني من نوم الليل فما وجدت يسعني إلا قتالهم أو الكفر بما جاء به محمد وكانت معالجة القتال أهون علي من معالجة الأغلال وكانت مؤنات الدنيا أهون علي من النار (3).
فوالله ما أجد يقدر مخالف ولا ناصب [أن] يقول: إن عليا قاتل القوم واحتمل تلك المكاره وصبر على المحن العظام لغير ما ذكرنا [ه].
وكيف يمكن ذلك ويدعي عليه مخالف طلب دنيا أو رغبة فيما رغب فيه أهل الشقاق والردى، وأموره / 45 / قد انكشفت للعامة والخاصة في سيرته وزهده وتقلله في مأكله وملبسه في أيام خلافته، بل مناقشته لنفسه في هذا الحال أكبر، ومباعدته لها من المطامع ومما يقرب من التهم والتلذذ والتنعم أغلب وأشهر.
يختم على جراب سويقه، ويقطع ما فضل عن [أ] كمامه! ويطعم أصحابه أطيب طعامه، ويقدمهم في الدنيا على نفسه [وإنما ذكرنا معدودة من قبسات سيرته] لتعلموا أن الذي [كان] يسعى له ويطلبه ويجتهد في إحرازه، غير ما طلب الفرقة الباغية من الملك والدنيا ومن أشبههم من الراغبين في البيضاء والصفراء، وأن الذي كان فيه [هو] تجارة للآخرة، وسعي للعاقبة ورغبة عن الآجلة (4) فنهى النفس عن هواها،