فتصفحوا هذا التدبير وتفهموه تجدوه لما قلتم مكذبا ولما قلنا مصدقا، وهل ترون فيه خللا؟ وهل ترون من وراء ما وصفنا عنه رأيا هو أصوب مما أمر به؟ وأغمض مما أوصى به وامتثله؟ وقد يتبع هذا من تدبيره ما يكثر في القول، ويغمض قي علم التدبير.
ومما يؤكد ما قلنا ويحققه من أن الانتشار عليه لم يكن هو سببه أن عليا فيما ذكر أهل العلم نزل يوم صفين في عاقول (1) من الفرات لم يكن بطبعه أحد، فحسده معاوية على منزله ذلك فطرح في عسكره كتابا:
من عبد الله الناصح، أما بعد، فإن معاوية يريد أن يرتحل ويشق عليكم الماء فخذوا حذركم ".
فقال الناس لعلي: ارتحل فاسبقه إلى ذلك المكان فإنا نخاف أن يشق علينا الماء (2).
فقال لهم علي: إن هذا من معاوية مكيدة لأنه قد حسدكم على هذا المنزل فغلبو [ه على] رأيه حتى ارتحل منه، فلما ارتحل منه جاء معاوية حتى نزله! فقال لهم علي:
ألم أخبركم أنه مكر من معاوية؟!
وإنما أذكر لكم من أموره وسيرته جملا تزيل العمى وتوضح سبيل الصواب من الخطأ، ولتعلموا عند تفهم ما ذكرنا [ه] والنظر فيما عنه أتا [نا] أنه سيف من سيوف الله حدب للدوائر (3) حارب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شابا ماضيا في التماس ثواب الله قدما حتى صار شيخا، لم تكن له صبوة ولا نبوة [كان] يخوض في جنب الله الغمرات، ويهتك بحجته ستر الشبهات.