وأدبر الولي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن عفوت) خطاب للولي (عنه) أي عن القاتل (يبوء) بهمزة بعد الواو أي يلتزم ويرجع القاتل (بإثمه) أي القاتل (وإثم صاحبه) يعني المقتول قال في النهاية:
أصل البواء اللزوم ومعنى يبوء الخ أي كان عليه عقوبة ذنبه وعقوبة قتل صاحبه فأضاف الإثم إلى صاحبه لأن قتله سبب لإثمه انتهى.
قال الخطابي: معناه أنه يتحمل إثمه في قتل صاحبه فأضاف الإثم إلى صاحبه إذ صار بكونه محلا للقتل سببا ثمة وهذا كقوله تعالى * (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * فأضاف الرسول إليهم وإنما هو في الحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إليهم، وأما الإثم المذكور ثانيا فهو إثمه فيما قارفه من الذنوب التي بينه وبين الله سوى الإثم الذي قارفه من القتل، فهو يبوء به إذا عفا عن القتيل ولو قتل لكان كفارة له انتهى.
وقال السندي في حاشية النسائي، وقيل في تأويله أي يرجع ملتبسا بإثمه السابق وبالإثم الحاصل له بقتل صاحبه، فأضيف إلى الصاحب لأدنى ملابسة بخلاف ما لو قتل فإن القتل يكون كفارة له عن إثم القتل انتهى.
وفي رواية لمسلم والنسائي: " أن ينوء بإثمك وإثم صاحبك ".
قال النووي: معناه يتحمل إثم المقتول لإتلافه مهجته، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه، ويكون قد أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بذلك في هذا الرجل خاصة، ويحتمل أن معناه يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول والمراد إثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة لا تعلق لها بهذا القاتل، فيكون معنى يبوء يسقط وأطلق هذا اللفظ عليه مجازا انتهى.
قال السندي: لعل الوجه في هذا الحديث أن يقال المراد برجوعه بإثمهما هو رجوعه ملتبسا بزوال إثمهما عنهما، ويحتمل أنه تعالى يرضى بعفو الولي فيغفر له ولمقتوله فيرجع القاتل وقد أزيل عنهما إثمهما بالمغفرة (قال) وائل (فعفا) أي الولي (عنه) عن القاتل.
قال الخطابي: فيه من الفقه أن الولي مخير بين القصاص وأخذ الدية: وفيه دليل على أن دية العمد تجب حالة في مال الجاني، وفيه دليل على أن الإمام يشفع إلى ولي الدم في العفو بعد وجوب القصاص، وفيه إباحة الاستيثاق بالشد والرباط ممن يجب عليه القصاص إذا خشي انفلاته وذهابه وفيه جواز إقرار من جيء به في حبل أو رباط وفيه دليل على أن القاتل إذا عفي عنه لم يلزمه تعزير ويحكى عن مالك بن أنس أنه قال يضرب بعد العفو مائة سوط ويحبس سنة انتهى.
قال المنذري: والحديث أخرجه النسائي.