(فسقته) أي أبا سفيان (قدحا) بفتحتين هو إناء يسع ما يروي رجلين أو ثلاثة (يا بن أختي ألا توضأ) أي تتوضأ وفي رواية الطحاوي قالت يا ابن أخي توضأ فقال إني لم أحدث شيئا (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي واختلف العلماء في هذه المسألة فذهب أكثر الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار وذهبت طائفة إلى الوجوب الشرعي بأكل ما مسته النار واستدلت بأحاديث الباب وأجاب الأكثرون عن أحاديث الوضوء مما مسته النار بوجوه أحدها أنه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وأنت خبير بأن حديث جابر كان آخر الأمرين ليس من قول جابر بل اختصره شعيب بن أبي حمزة أحد رواته كما عرفت وثانيهما أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب وهذا اختيار الخطابي وابن تيمية صاحب المنتقى وثالثها أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين وهذا الجواب ضعيف جدا لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغتسل للوضوء فلا يخالف هذه الحقيقة إلا لدليل والذي تطمئن به القلوب ما حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى بهذا النووي في شرح المهذب وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن وأخرج أحمد في مسنده عن جابر قال أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر خبزا ولحما فصلوا ولم يتوضؤوا وفي ترك الوضوء مما مست النار آثار أخر مروية عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
(٢٢٧)