ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام ما أخرجه مالك قال بلغني أن خالد بن الوليد قال يا رسول الله إني أروع في المنام فقال قل أعوذ بكلمات الله التامات ومن شر غضبه وعذابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وأخرجه النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان خالد بن الوليد يفزع في منامه فذكر نحوه وزاد في أوله إذا اضطجعت فقل باسم الله فذكره وأصله عند أبي داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه واستثنى الداودي من عموم قوله إذا رأى ما يكره ما يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الانذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع إذا عرف انها صادقة ما ذكره من الاستعاذة ونحوها واستند إلى ما ورد من مرائي النبي صلى الله عليه وسلم كالبقر التي تنحر ونحو ذلك ويمكن أن يقال لا يلزم من ترك الاستعاذة في الصادقة أن لا يتحول عن جنبه ولا أن لا يصلي فقد يكون ذلك سببا لدفع مكروه الانذار مع حصول مقصود الانذار وأيضا فالمنذورة قد ترجع إلى معنى المبشرة لان من أنذر بما سيقع له ولو كان لا يسره أحسن حالا ممن هجم عليه ذلك فإنه ينزعج ما لا ينزعج من كان يعلم بوقوعه فيكون ذلك تخفيفا عنه ورفقا به قال الحكيم الترمذي الرؤيا الصادقة أصلها حق تخبر عن الحق وهي بشرة وانذار ومعاتبة لتكون عونا لما ندب إليه قال وقد كان غالب أمور الأولين الرؤيا إلا أنها قلت في هذه الأمة لعظم ما جاء به نبيها من الوحي ولكثرة من في أمته من الصديقين من المحدثين بفتح الدال وأهل اليقين فاكتفوا بكثرة الالهام والملهمين عن كثرة الرؤيا التي كانت في المتقدمين وقال القاضي عياض يحتمل قوله الرؤيا الحسنة والصالحة أن يرجع إلى حسن ظاهرها أو صدقها كما أن قوله الرؤيا المكروهة أو السوء يحتمل سوء الظاهر أو سوء التأويل وأما كتمها مع أنها قد تكون صادقة فخفيت حكمته ويحتمل أن يكون لمخافة تعجيل اشتغال سر الرائي بمكروه تفسيرها لأنها قد تبطئ فإذا لم يخبر بها زال تعجيل روعها وتخويفها ويبقى إذا لم يعبرها له أحد بين الطمع في أن لها تفسيرا حسنا أو الرجاء في أنها من الأضغاث فيكون ذلك أسكن لنفسه واستدل بقوله ولا يذكرها على أن الرؤيا تقع على ما يعبر به وسيأتي البحث في ذلك في باب إذا رأى ما يكره إن شاء الله تعالى واستدل به على أن للوهم تأثيرا في النفوس لان التفل وما ذكر معه يدفع الوهم الذي يقع في النفس من الرؤيا فلو لم يكن للوهم تأثير لما أرشد إلى ما يدفعه وكذا في النهي عن التحديث بما يكره لمن يكره والامر بالتحديث بما يجب لمن يجب (قوله في حديث أبي سعيد وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان) ظاهر الحصر أن الرؤيا الصالحة لا تشتمل على شئ مما يكرهه الرائي ويؤيد مقابلة رؤيا البشرى بالحلم وإضافة الحلم إلى الشيطان وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم ان الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى وقد تكون انذارا نظر لان الانذار غالبا يكون فيما يكره الرائي ويمكن الجمع بأن الانذار لا يستلزم وقوع المكروه كما تقدم تقريره وبأن المراد بما يكره ما هو أعم من ظاهر الرؤيا ومما تعبر به وقال القرطبي في المفهم ظاهر الخبر أن هذا النوع من الرؤيا يعني
(٣٢٩)