الانشقاق كان قرب غروبه ويؤيد ذلك اسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل ان يكون الانشقاق وقع أول طلوعه فان في بعض الروايات ان ذلك كان ليلة البدر أو التعبير بابي قبيس من تغيير بعض الرواة لان الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والاخرى على جبل آخر ولا يغاير ذلك قول الراوي الآخر رأيت الجبل بينهما أي بين الفرقتين لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق انه بينهما وأي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشهدوا اشهدوا وليس فيه تعيين مكان وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن جريح عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر يقول كما شققت القمر كذلك أقيم الساعة (قوله في حديث ابن عباس ان القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا أورده مختصرا وعند أبي نعيم من وجه آخر انشق القمر فلقتين قال ابن مسعود لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الأولى في ذكر حراء وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين بان الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الاسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لان القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه واما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه ان ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء الا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة ان ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها الا الآحاد فكذلك الانشقاق كان أية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل ان يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر أية عظيمة لا يكاد يعدلها شئ من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز ان يخفى امره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التيسير والتنجيم إذ لا يجوز اطباقهم على تركه واغفاله مع جلالة شأنه ووضوح امره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شئ طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لان القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل ان يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل
(١٤١)