انه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد ان يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز انه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وانما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك انما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شئ منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه الا القرآن بما حاصله ان معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في ادراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الافهام ولو كان ادراكها عاما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي وزاد ولا سيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون انها سحر ويجتهدون في اطفاء نور الله (قلت) وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة واما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه انه لم ينقل عن أحد منهم انه نفاه وهذا كاف فان الحجة فيمن أثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى أن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الاثبات وقال ابن عبد البر قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجمع الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين وأيضا فان زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى افاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لان المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك وقال القرطبي الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة ويحتمل ان يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم انتهى وفي كلامه نظر لان أحدا لم ينقل ان أحدا من أهل الآفاق غير أهل مكة ذكروا انهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي أبداه القرطبي جيدا ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شئ من ذلك فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله أعلم واما الآية فالمراد بها قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء ان المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى اتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لان لكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث ابن مسعود كما بيناه قبل ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول إن المارد بقوله تعالى وانشق القمر أي سينشق قال الحليمي فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى
(١٤٢)