ابن عمير فبارز طلحة بن عثمان فقتله وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوهم فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ودخل العسكر فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم وصرخ صارخ قتل محمد أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم حتى رجع إليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير وقيل معه طائفة من الأنصار منهم سهل بن بيضاء والحرث بن الصمة وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابه فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته أعل هبل فناداه عمر الله أعلى وأجل ورجع المشركون إلى أثقالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون البيوت وان ركبوا الأثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع فتبعهم سعد بن أبي وقاص ثم رجع فقال رأيت الخيل مجنونة فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم وبكى المسلمون على قتلاهم فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه وقالت المنافقون لو أطاعونا ما أصابهم هذا قال العلماء وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين لتمييز الصادق من الكاذب وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها تتعلق بوقعة أحد وقد قال ابن إسحاق أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين
(٢٦٧)