ان يوحى إليه وقد قدمت في آخر صفة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يرتفع به الاشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التأويل ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقال بعض المتأخرين كانت قصة الاسراء في ليلة المعراج في ليلة متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الاسراء وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر كما سنبينه وذهب بعضهم إلى أن الاسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام أو ان الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالاسراء ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الاسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شانه أعجب وأمره أغرب من الاسراء بكثير دل على أنه كان مناما واما الاسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس وقيل كان الاسراء مرتين في اليقظة فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى اخر ما وقع ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض لان ذلك عندهم من جنس قوله إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه بخلاف اخباره انه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ويؤيد وقوع المعراج عقب الاسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى أن قال ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فذكر الحديث ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة ان النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث فهو وان لم يذكر فيه الاسراء إلى بيت المقدس فقد أشار إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد واحتج من زعم أن الاسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في الدلائل من حديث شداد بن أوس قال قلنا يا رسول الله كيف أسري بك قال صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بداية فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه قال ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند ابن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا فإن ثبت ان المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك أن الاسراء وقع مرتين مرة على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ومرة في اليقظة مضموما إلى الاسراء واما كونه قبل البعث فلا يثبت ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك إن شاء الله تعالى وجنح الإمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارا واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه
(١٥١)