هذا أمر النبي بالجلوس وراءه إذ صلى شاكيا جالسا وواجب على كل من علم الامرين معا أن يصير إلى أمر النبي الآخر إذ كان ناسخا للأول أو إلى أمر النبي الدال بعضه على بعض (قال الشافعي) وفى مثل هذا المعنى أن علي بن أبي طالب خطب الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وكان يقول به لأنه سمعه من النبي وعبد الله بن واقد قد رواه عن النبي وغيرهما فلما روت عائشة أن النبي نهى عنه عند الدافة ثم قال " كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا " وروى جابر بن عبد الله عن النبي أنه نهى عن لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال " كلوا وتزودوا وتصدقوا " كان يجب على كان من علم الامرين معا أن يقول نهى النبي عنه لمعنى فإذا كان مثله فهو منهى عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو يقول نهى النبي عنه في وقت ثم أرخص فيه بعده والآخر من أمره ناسخ للأول (قال الشافعي) وكل قال بما سمعه من رسول الله وكان من رسول الله ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه فعلم الأول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله فيه صار إليه إن شاء الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولهذا أشباه كثيرة في الأحاديث وإنما وضعت هذه الجملة لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه أن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والأمانة من يعزب عنه من سنن رسول الله الشئ يعلمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم خاص بمن فتح الله له علمه لا أنه عام مشهور كشهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الامر فيما وصفت من هذا أشباهه كما وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب رسول الله ولا يرد لان عمل بعض أصحاب رسول الله عملا يخالفه لان بأصحاب رسول الله والمسلمين كلهم حاجة إلى أمر رسول الله وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روى عنه ووافقه يزيد قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لان قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله (قال الشافعي) رحمه الله: فإن قال قائل أتهم الحديث المروى عن النبي إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم الحديث عن بعض أصحابه لخلافه لان كلا روى خاصة معا وأن يتهما فما روى عن النبي أولى أن يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي لم يجز لاحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا رأبا له ما لم يقله عن رسول الله فإذا كان هكذا لم يجز أن نعارض بقول أحد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو قال قائل:
لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله إلا وقد أخذ من قوله وترك أقول غيره من أصحاب رسول الله ولا يجوز في قول رسول الله أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل: فاذكر لي في هذا ما يدل على ما وصفت فيه؟ قيل له ما وصفت في هذا الباب وغيره مفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والفقه والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لان قوله حكم يلزم كان يقضى بين المهاجرين والأنصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضى أن في الابهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفى التي تلى الخنصر تسعا وفى الخنصر ستا حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم " وفى كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل " فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي ففعلوا