ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه (قال الشافعي) لا أنهى رجلين قبل أن يتبايعا ولا بعد ما يتفرقان عن مكانهما الذي تبايعا فيه أن يبيع أي المتبايعين شاء لان ذلك ليس بيعا على بيع غيره فينهى عنه (قال) وهذا يوافق حديث " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " لما وصفت فإذا باع رجل رجلا على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى إذا كان عالما بالحديث فيه والبيع لازم لا يفسد فإن قال قائل وكيف لا يفسد وقد نهى عنه؟ قيل بدلالة الحديث نفسه أرأيت لو كان البيع يفسد هل كان ذلك يفسد على البائع الأول شيئا إذا لم يكن للمشترى أن يأخذ البيع الآخر فيترك به الأول بل كان ينفع الأول لأنه لو كان يفسد على كل بيع بيعه كان أرغب للمشترى فيه أفرأيت إن كان البيع الأول إذا لم يتفرق المتبايعان عن مقامهما لازما بالكلام كلزومه لو تفرقا ما كان البيع الآخر يضر البيع الأول أو رأيت لو تفرقا ثم باع رجل رجلا على ذلك البيع هل يضر الأول شيئا أو يحرم على البائع الآخر أن يبيعه رجل سلعة قد اشترى مثلها ولزمته هذا لا يضره وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان وقبل أن يتفرقا فأما في غير تلك الحال فلا.
بيع الحاضر للبادي حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال " لا يبع حاضر لباد ".
أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " (قال الشافعي) ليس في النهى عن بيع الحاضر للبادي بيان معنى والله أعلم لم نهى عنه إلا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالأسواق وبحاجة الناس إلى ما قدموا به ومستثقلين المقام فيكون أدنى من أن يرتخص المشترون سلعهم فإذا تولى أهل القرية لهم البيع ذهب هذا المعنى فلم يكن على أهل القرية في المقام شئ يثقل عليهم ثقله على أهل البادية فيرخصون لهم سلعهم ولم يكن فيهم الغرة بموضع حاجة الناس إلى ما يبيع الناس من سلعهم ولا بالأسواق فيرخصونها لهم فنهوا والله أعلم لئلا يكونوا سببا لقطع ما يرجى من رزق المشترى من أهل البادية لما وصفت من ارتخاصه منهم فأي حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه لان البيع لو كان يكون مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادي إلا الضرر على البادى من أن تحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلي هو أو باد مثله بيعها فيكون كمكسد لها وأحرى أن يرزق مشتريه منه بارتخاصه إياها بإكسادها بالامر الأول من رد البيع وغرة البادى الآخر فلم يكن ههنا معنى يخاف يمتنع فيه أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه والله أعلم إلا ما قلت من أن بيع الحاضر للبادي جائز غير مردود والحاضر منهى عنه.
باب تلقى السلع حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا السلع " (قال الشافعي) وقد سمعت في هذا الحديث فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق (قال الشافعي) وبها نأخذ إن كان ثابتا وفى هذا دليل على أن الرجل إذا تلقى السلعة فاشتراها فالبيع جائز غير أن لصاحب السلعة بعد أن يقدم السوق الخيار لان تلقيها حين يشترى من البدوي قبل أن يصير