ومورد الاشتباه واضح، إذ كانت النجف مهبط الزوار، و محط الفضلاء قبل هذا التاريخ بقرنين من الزمان، واستوطنها بعضهم تيمنا وتبركا بتربتها، ونيل الشفاعة ممن ثوي فيها.
ولدينا عدة أدلة معتبرة في كون النجف - وقبل مجئ عضد الدولة - مركزا علميا، إلا أنها لم تبلغ من الشهرة إلا بعد رحيل الشيخ الطوسي إليها، وأن الحركة العلمية في النجف كانت تتخذ طابع الهدوء، والسير البطئ والمحفوف بالتقية والتستر، خوفا من النواصب، والخوارج، وبعض امراء الجور وسلاطين العصر، فمن الأدلة على كيان النجف المتميز، ووجودها العلمي قبل مجئ عضد الدولة:
أولا: أن بعض العلماء ورواة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، الذين رووا عن الإمام الصادق عليه السلام ومن بعده من الأئمة عليهم السلام قد نزحوا إلى النجف تيمنا بصاحب القبر الشريف عليه السلام، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: أحمد بن عبد الله الغروي، يروي عن أبان بن عثمان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.
ثانيا: صدور إجازات علمية من بعض مشايخ العلماء القاطنين في النجف إلى تلامذتهم، منها: إجازة صادرة من محمد بن علي بن الفضل الكوفي، أحد مشايخ الصدوق، ذكر الإجازة الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه " من لا يحضره الفقيه "، قال:
محمد بن علي بن الفضل الكوفي سمع - الشيخ الصدوق - منه سنة 354 ه، عند وروده إلى الكوفة وهو في طريقه إلى الحج، وكان سماعه بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
ثالثا: نقابة الروضة الحيدرية كانت بيد أسر علمية، وعلماء مبرزين، منهم:
السيد شريف الدين محمد المعروف بابن السدرة، أقام في النجف عام 308 ه (1).