وصفت الله بهما وكان جميعا في الوجود فذلك صفة فعل، وتفسير هذه الجملة: أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد، وما يرضاه وما لا يرضاه وما يسخطه، وما يحب وما يبغض، فلو كانت الإرادة من صفات الذات - مثل العلم والقدرة - كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضا لتلك الصفة، ألا ترى إنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه، وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرة وعجز، وعلم وجهل، وسفه وحكمة وخطاء، و عز وذلة، ويجوز أن يقال: يحب من أطاعه، ويبغض من عصاه، ويوالي من أطاعه، ويعادي من عصاه، وأنه يرضى ويسخط، ويقال في الدعاء: اللهم ارض عني، ولا تسخط علي، وتولني، ولا تعادني، ولا يجوز أن يقال: يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم، ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك، ويقدر أن يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أن لا يكون عزيزا حكيما، ويقدر أن يكون جوادا، ولا يقدر أن لا يكون جوادا، ويقدر أن يكون غفورا ولا يقدر أن لا يكون غفورا،...، ولا يجوز أيضا أن يقال:
أراد أن يكون ربا وقديما وعزيزا وحكيما ومالكا وعالما وقادرا... لأن هذه من صفات الذات، والإرادة من صفات الفعل، ألا ترى أنه يقال: أراد هذا ولم يرد هذا، وصفات الذات تنفي عنه بكل صفة منها ضدها، يقال: حي، وعالم، وسميع، وبصير، وعزيز، وحكيم، وغني، وملك وحليم، وعدل، وكريم، فالعلم ضده الجهل، والقدرة ضدها العجز، والحياة ضدها الموت، والعزة ضده الذلة، والحكمة ضدها الخطأ، وضد الحلم العجلة والجهل، وضد العدل الجور والظلم. (1) والمورد الثاني من كتاب التوحيد، تعليقته على الحديث الأول من (باب أنه لا يعرف إلا به).