الأولى ب (مغارة الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن إلى الفرات والله أعلم.
والمرة الثانية: أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355، وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات.
قال ابن خالويه: قال أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [برطسان] يخدمني، و أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت بوجوههم إلى (خرشنة) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا:
ولله عندي في الأسئار وغيره * مواهب لم يخصص بها أحد قبلي حللت عقودا أعجز الناس حلها * وما زال عقدي لا يذم ولا حلي إذا عاينتني الروم كبر صيدها * كأنهم أسرى لدي وفي كبلي