كل ما غاب صلى الله عليه وآله عن المدينة، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غيره على المدينة في غير هذه الواقعة، حيث لم تكن فيه ما أوعزنا إليه من الإرجاف، وكانت حاجة الحرب أمس إلى وجود أمير المؤمنين عليه السلام حيث لم يكن غيره كمثله يكسر صولة الأبطال، و يغير في وجوه الكتائب. فكان صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ أمير المؤمنين معه إلى الحروب واستخلافه في مغيبه يتبع أقوى المصلحتين.
ثم: إن الرجل حاول تصغيرا لصورة هذه الخلافة فقال: وعام تبوك ما كان الاستخلاف. إلخ. غير أن نظارة التنقيب لا تزال مكبرة لها من شتى النواحي.
(الأولى): قوله: أم ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟!.
وهو يعطي إثبات كل ما للنبي صلى الله عليه وآله من رتبة وعمل ومقام ونهضة وحكم و إمارة وسيادة لأمير المؤمنين عدا ما أخرجه الاستثناء من النبوة كما كان هارون من موسى كذلك. فهو خلافة عنه صلى الله عليه وآله وإنزال لعلي عليه السلام منزلة نفسه لا محض استعمال كما يظنه الظانون، فقد استعمل صلى الله عليه وآله وسلم قبل هذه على البلاد أناسا، وعلى المدينة آخرين.
وأمر على السرايا رجالا لم يقل في أحد منهم ما قاله في هذا الموقف، فهي منقبة تخص أمير المؤمنين فحسب.
(الثانية): قوله صلى الله عليه وآله فيما مر عن سعد بن أبي وقاص: كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي. لما طعن رجال من المنافقين في إمرة علي عليه السلام ولا يوعز صلى الله عليه وآله به إلا إلى ما أشرنا إليه عن خشية الإرجاف بالمدينة عند مغيبه، وإن إبقاءه كان لإبقاء بيضة الدين عن أن تنتهك، وحذار أن يتسع خرقها بهملجة المنافقين، لولا هناك من يطأ فورتهم بأخمص بأسه وحجاه، فكان قد خلفه لمهمة لا ينوء بها غيره.
(الثالثة): قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: قال حين أراد صلى الله عليه وآله أن يغزو: إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم فخلفه. الحديث. (1) وهو يدل على أن بقاء أمير المؤمنين عليه السلام على حد بقاء رسول الله صلى الله عليه وآله في كلائة بيضة الدين، وإرحاض معرة المفسدين، فهو أمر واحد يقام بكل منهما على حد سواء، وناهيك به من منزلة ومقام.