ودرس وأفتى وحدث ونظم ونثر وصنف، وبالجملة فهو علامة متين التحقيق حسن الفكر والتأمل فيما ينظره ويقرب عهده، وكتابه أمتن من تقريره ورويته أحسن من بديهته، مع وضائته وتأنيه وضبطه وقلة كلامه وعدم ذكره للناس) (1).
وقال القاضي مجير الدين العليمي الحنبلي - وهو من تلامذته - بترجمته:
(هو شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، حافظ العصر والزمان، بركة الأمة، علامة الأئمة، شيخنا الإمام الحبر الهمام العالم العلامة الرحالة، القدوة المجتهد العمدة، مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم السبت خامس شهر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمدينة القدس ونشأ بها في عفة وصيانة وتقوى وديانة، لم يعلم له صبوة ولا ارتكاب محظور.. وجد ودأب ولازم الاشتغال والأشغال إلى أن برع وتميز وأشير إليه في حياة شيخه الزين ماهر، وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حين ترك هو الإقراء وكذلك المستفتين، ودرس وأفتى من سنة ست وأربعين وثمانمائة.
ولم يزل حاله في ازدياد وعلمه في اجتهاد، فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه إماما في العلوم، محققا لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية. ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر، وبقي صدر المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول إليه والتعويل في الأمور كلها عليه، وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على مذهبه ومذهب غيره، ووردت الفتاوى إليه من مصر والشام وحلب وغيرها، وبعد صيته وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام.