وليس مراد حذيفة ما يوهمه ظاهر كلامه من القدح في الخبر المذكور، وانه غير صحيح، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أظلته الخضراء وأقلته الغبراء، وهو أصدق من أبي ذر، فلا يصدق العموم، لأن الخبر المذكور مستفيض مروي بأسانيد صحيحة، وقد اتفق عليه الفريقان، ولأن ما ذكره إنما ينهض بالتخصيص، ولا يستلزم كون الخبر غير صحيح.
وروى أصحابنا عن أئمتنا (عليهم السلام) في سبب هذا الخبر خبرا ناطقا بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما فوه به في هذا الخبر ووصفه بالصدق، لأنه أخبر الصحابة بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل الأمة، وقسيم الجنة والنار، وصديق هذه الأمة وفاروقها، وحجة الله عليها، فكذبوه وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء - يعني: من أولئك القوم - على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. رواه الصدوق عطر الله مرقده في كتاب علل الشرائع والأحكام، باسناده عن عباد بن صهيب، عن الصادق (1) (عليه السلام).
وهذا يدفع ما تعلقت به الفرقة المذكورة، ويحسم مادته بالكلية.
وروى - عطر الله مرقده - في الكتاب المذكور وجها آخر يحسم تعلق الخصم بالخبر المذكور، ويؤدي إلى المحجة البيضاء والطريقة الغراء.
روى - عطر الله مرقده - باسناده عن أنس بن مالك، قال: أتى أبو ذر يوما إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة، قالوا: وما رأيت البارحة؟ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببابه، فخرج ليلا وأخذ بيد علي بن أبي طالب وقد خرجا إلى البقيع، فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة، فعدل إلى قبر أبيه، فصلى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشق وإذا بعبد الله جالس وهو قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال: من وليك يا أبت؟