ينكروا عليهم، ولو كان الخبر كذبا لمنعت الجماعة التي ادعى المخبرون حضورهم بذلك، وأنكروا عليهم، ولقالوا لم يكن هذا، ولا شاهدناه، فلما سكتوا عن ذلك دل على تصديقهم، وأن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحة والقطع.
ومما يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع، والناس مجتمعون وقال: إنكم كنتم في موضع كذا، في دار كذا، لاملاك فلان، فأطعمكم كذا من الطعام، وكذا من الشراب، لم يمتنعوا أن ينكروا عليه، ولا سكتوا عن تكذيبه في الامر الذي لا يمتنع في العادة. فكيف في الامر الذي خرج عن العادات والنفوس إلى إنكار المنكر أسرع.
ومن هذه الأخبار أخبار انتشرت في الأمة، ولم يوجد له منكر ولا مكذب بل تلقوه بالقبول، فيجب المصير إليه، لاجتماع عليه من الامناء والطايفة المحقة وهم لا يجتمعون على خطأ، وفيهم معصوم في كل زمان.
وما رووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم عليهما السلام وصالح بينهما، أو شكا طير من حية في موضع يأكل فراخه فأمر بقتل الحية، فلا خفاء في كونه معجزا فأما ما سئل الحسين عليه السلام وهو صبي عن أصوات الطيور والحيوانات، فاعجازه من وجه آخر، ونحوه قول عيسى في المهد: " إني عبد الله " وكلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال التكلم بما يتكلم به، وقيل: إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز.
فصل: والاخبار المواترة توجب العلم على الاطلاق، وكذلك إذا كانت غير متواترة، وقد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلة العقل والكتاب والسنة المقطوع بها، أو إجماع المسلمين، أو إجماع الطائفة، فهذه القرائن تدخل الاخبار وإن كانت آحادا في باب المعلوم، فيكون ملحقة بالمتواتر، والعلوم التي تحصل عند الأخبار المتواترة لكل عاقل ملتبسة عند الشيخ المفيد.
وذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك، فقال: العلوم بأخبار البلدان والوقايع ونحوها يجوز أن تكون ضرورية ويجوز أن تكون ملتبسة، وما عداها كالعلم