وذكر أبو إسحاق ابن عباس أنه أخذ هذا على ابن الراوندي (1) فإنه قال في كتاب له سماه: الرد على من يحتج بصحة النبوة بالمعجزات، فقال: ومن أين لكم أن الخلق يعجزون عنه، هل شاهدتم الخلق؟ أو أحطتم علما بمنتهى قواهم وحيلهم؟ فان قالوا: نعم، فقد كذبوا، لأنهم لم يجوبوا المشرق والمغرب، ولا امتحنوا الناس جميعا، ثم ذكر أفعال الأحجار كحجر المقناطيس وغيره.
قال أبو إسحاق: فأجابه أبو علي في نقضه عليه أنه يجوز أن يكون في الطبائع ما يجذب به النجوم، وتسير به الجبال في الهواء، ويحيى به الموتى، بعد ما صاروا رميما، فإذا لا يمكن أن يفصل بين الممكن المعتاد، وما ليس بمعتاد، ولا بين ما ينفذ فيه حيلة وبين ما لا ينفذ فيه حيلة، إلا أن يجوب البلاد شقا وغربا ويعرف جميع قوى الخلق، فأما إذا سلم أن يعلم ما الممكن المعتاد وغيره وما لا يبعد فيه حيلة، ليريه النظير في المعجزات قبل أن يجوب البلاد، فليس يحتاج من يعرف كون الجاذب معجزا إلى ما ذكره من معرفة قوى الخلق وطبائع الجواهر، ولهذا لو ادعى واحد النبوة وجذب بالتراب الجبل علمنا أنه ليس فيه وجه حيلة، وإنا نعلم بذلك صدقه، قبل أن نجوب البلاد ونعرف جميع الطبائع.
وقال أبو إسحاق: إن جميع ما ذكره في خصائص الاعجاز أكثره كذب وذكر أن واحد أمر أن يجيئ بالأفاعي في سبد وجعل الزمرد في رأس قصبة ووجه به عين الأفاعي، فلم تسل، ثم إن جميع ما ذكره يسقط بما شرطناه في المعجزات، ويفتش عنه أهل النظر، ومن يقوى دواعيه إلى كشف عواره الزمان الطويل، فلا يوقف منه على وجه حيلة، ففيما ذكره ما هو معتاد ظاهر لأكثر الناس، كحجر المقناطيس، أو وقف منه على وجهه.