أن محمدا لم يكن واثقا بما عنده، لأنه ردهم إلى قوم شهد عليهم بكتمان الحق وقول الباطل، وهم عنده غير ثقات في الدعوى والخبر.
فصل: الجواب عما ذكروه أولا أن تأويل ما حكيتم على خلاف ما توهمتم لان الذي نفاه من كون سبيل الكفار على المؤمنين إنما هو من طريق قيام الحجة منهم على المسلمين في دينهم، في إقامة دليل على فساد دينهم، لم يرد بذلك المؤالبة والمغالبة، وهو معنى قوله: " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (1) أي بالدلالة والحجة، لا بالمغالبة والعزة، ويحيى بن زكريا لما قتل كانت حجته ثابتة على من قتله، وكان هو الظاهر عليه بحقه وإن كان في ظاهر أمر الدنيا مغلوبا، فإذا قهر بحق لم يدل ذلك على بطلان أمره، وفساد طريقه.
وأما قوله: " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " ففيه جوابان: أحدهما أنه أراد إن كانوا فقراء إلى الجماع استغنوا بالنكاح، والثاني أنه خرج على الأغلب من أحوالهم، وقد قال تعالى بعد ما تزوج محمد عليه السلام خديجة: " ووجدك عائلا فأغنى " (2) أي أغناك بمالها.
وأما قوله: " والله يعصمك من الناس " فالمعنى أنه يعصمك من قتلهم إياك.
وقوله: " ادعوني أستجب لكم " فيه أجوبة أحدها أن فيه إضمارا أي إن رأيت لكم مصلحة في الدين، وقد صرح به في قوله: " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " (3).
والثاني أن الدعاء هو العبادة أي اعبدوني بالتوحيد آجركم عليه، يدل على ذلك قوله: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي ".
والثالث أن يكون اللفظ عموما والمراد به الخصوص، وهذا في العرف كثير.
وأما قوله: " فاسئلوا أهل الذكر " فان الله لما احتج لنبيه بالبراهين