لا لان الله أعجز عنهما بمنع خلقه في العباد، وقد كان يجوز أن يرتفع فيقدر عليه لكن محال وقوعه منهم كاستحالة إحداث الأجسام والألوان، وإبراء الأكمه والأبرص من غير دواء، ولو قلنا إن هذه الوجوه السبعة كلها وجوه إعجاز القرآن على وجه دون وجه لكان حسنا.
ثم إن المرتضى رحمه الله استدل على أنه تعالى صرفهم عن المعارضة وأن العدول عنها كان لهذا، لا لان فصاحة القرآن خرقت عادتهم بأن الفضل بين الشيئين إذا كثر لم تقف المعرفة بحالهما على ذوي القرائح الذكية بل يغني ظهور أمريهما عن الرؤية بينهما، وهذا كما لا يحتاج إلى الفرق بين الخز والصوف إلى أحذق البزازين، وإنما يحتاج إلى التأمل، الشديد التقارب الذي يشكل مثله.
ونحن نعلم أنا علم مبلغ علمنا بالفصاحة، نفرق بين شعر امرء القيس وشعر غيره من المحدثين، ولا نحتاج في هذا الفرق إلى الرجوع إلى من هو الغاية في علم الفصاحة، بل نستغني معه عن الفكرة، وليس بين الفاضل والمفضول من أشعار هؤلاء وكلام هؤلاء قدر ما بين الممكن والمعجز، والمعتاد والخارج عن العادة، وإذا استقر هذا، وكان الفرق بين سور المفصل وبين أفصح قصائد العرب غير ظاهر لنا الظهور الذي ذكرناه - ولعله إن كان ثم فرق فهو مما يقف عليه غيرنا، ولا يبلغه علمنا - فقد دل على أن القوم صرفوا عن المعارضة واخذوا عن طريقها.
والأشبه بالحق، والأقرب إلى الحجة، بعد ذلك القول قول من جعل وجه إعجاز القرآن خروجه عن العادة في الفصاحة، فيكون ما زاد على المعتاد معجزا كما أنه لما أجرى الله العادة في القدرة التي يمكن بها من ضروب أفعال الجوارح كالطفو بالبحر وحمل الجبل فإنها إذا زادت على ما تأتي العادة، كانت لا حقة بالمعجزات كذلك القول ههنا.
ثم إن هؤلاء الذين قالوا: إن جهة إعجاز القرآن الفصاحة المفرطة التي خرقت العادة، صاروا صنفين:
منهم من اقتصر على ذلك، ولم يعتبر النظم، ومنهم من اعتبر مع الفصاحة النظم