قوله عليه السلام (فيأخذ في الأخرى) موافق لما رواه الشيخ في الصحيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقرء في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع، قال: يركع ولا يضره.
أقول: يحتمل الخبر وجهين: الأول أنه نسي فابتدأ بسورة أخرى وأتمها فيدل على أنه لا بأس بالعدول عن سورة إلى أخرى نسيانا، وإن بلغ النصف، والثاني أن يسهى فيقرأ النصف الآخر من سورة أخرى فيدل على عدم وجوب سورة كاملة، ولعله أظهر في الخبر، وإن كان هنا حمله على الأول أوفق بما مر.
قال في الذكرى: هذا لا دلالة فيه على اعتبار النصف، إذ مفهوم الاسم ليس فيه حجة نعم يظهر منه على بعد استحباب قراءة السورة انتهى.
قوله (وسبح اسم ربك الاعلى) لعل الواو بمعنى أو أي اقرأ في الثانية في بعضها المنافقين وفي بعضها الاعلى كما عرفت، والجزء الأخير يدل على اعتبار مجاوزة النصف في الجملة.
30 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: من قرأ القرآن ولم يخضع لله، ولم يرق قلبه، ولا يكتسي حزنا ووجلا في سره، فقد استهان بعظيم شأن الله تعالى، وخسر خسرانا مبينا، فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وإذا تفرغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض، فيحرم بركة نور القرآن وفوائده، وإذا اتخذ مجلسا خاليا واعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأولتين استأنس روحه وسره بالله، ووجد حلاوة مخاطبات الله عز وجل عباده الصالحين، وعلم لطفه بهم، ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته، وبدايع إشاراته فإذا شرب كأسا من هذا المشروب لا يختار على ذلك الحال حالا، ولا على ذلك الوقت وقتا، بل يؤثره على كل طاعة وعبادة لان فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة.