الدنيا وفي الآخرة " (1) قال البيضاوي " بالقول الثابت " أي الذي ثبت بالحجة عندهم، وتمكن في قلوبهم " في الحياة الدنيا " فلا يزالون إذا افتتنوا في دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود " وفي الآخرة " فلا يتلعثمون إذا سئلوا من معتقدهم في الموقف، ولا يدهشهم أهوال القيامة انتهى.
أقول: يشكل ما ورد في هذا الدعاء بأن حياته الدنيوية قد انقضت، فما معنى الثبات له في الحياة الدنيا؟ ويمكن أن يوجه بوجهين.
الأول أن يكون الظرف متعلقا بالثابت، أي القول الثابت الذي لا يتبدل بتبدل النشأتين، فان العقائد الباطلة التابعة للأغراض الدنيوية والشهوات الدنية تتبدل وتتغير في النشأة الآخرة، لزوال دواعيها، وفي الآية أيضا يحتمل ذلك وإن لم يذكره المفسرون.
الثاني أن يكون المراد بالحياة الدنيا ما يقع قبل القيامة، فيكون حياة القبر للسؤال داخلا في الحياة الدنيا، على أنه يحتمل أن يكون ذكره على سبيل التبعية استطرادا لذكره في الآية، ولعل ثاني الوجهين أظهر.
قوله: " اللهم اسلك بنا " أي اجعلنا سالكين سبيلا يهدينا إلى ما يوجب لنا درجات الجنان، واسلك به سبيلا يهديه ويوصله إلى الجنة في المحشر فسلوك سبيل الهدى في الدنيا موجب لسلوك سبيل الهدى في الآخرة كما روي في تأويل قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم جنات " (2) الآية رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السلام ويحتمل أن يكون المراد بسبيل الهدى سبيل أهل الهدى، بأن يقدر مضاف، فبالنسبة إلينا يشمل النشأتين، وبالنسبة إليه يختص بالآخرة، وكذا الكلام في الفقرة الثانية أي اهدنا إلى الصراط المستقيم في العقايد والاعمال، واهده إلى صراط الآخرة