بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٨ - الصفحة ٢٨٦
من أن يبعث الأشياء بيده، إن لله تبارك وتعالى ملكين (1) خلاقين، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عز وجل: في كتابه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " (2) فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم، فإذا عجنت النطفة بالتربة، قالا: يا رب ما تخلق؟ قال:
فيوحي الله تبارك وتعالى ما يريد من ذلك ذكرا أو أنثى مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض، شقيا أو سعيدا فان مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها، فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة (3).
بيان: قال الوالد قدس الله روحه: لا يستبعد أن يكون النطفة أو بعضها محفوظة، أو المراد بالنطفة الروح الحيواني، والمراد أنه لما خرج منه صار نجسا فيجب تطهيره بالغسل، أو أنه لما كان إنسانا بالروح النفيسة اللطيفة، فلما فارقت البدن وجب تداركه بالغسل، حتى يصير قابلا للصلاة عليه وقربه من رحمة الله.
أقول: الأظهر أن المراد أن الماء الغليظ الذي يخرج من عينه لما كان شبيها بالنطفة، فلذا يغسل غسل الجنابة (4) وقد مضى بعض الأخبار في باب علل

(١) الملائكة خ ل.
(٢) طه: ٥٥.
(3) علل الشرايع ج 1 ص 284.
(4) أما في يومنا هذا فقد ظهر بالأبحاث العلمية بل ورئى بالمكبرات أن المنى الذي يدفقه الرجل في كل مرة من جنابته مركب من ملايين نطفة ذات حياة تسمى كل واحدة منها عند الاصطلاح الجديد اسپرماتوزئيد وأما المرأة فليس في منيها شئ من هذه النطف ولا من غير جنسها، والذي تدفقه المرأة حين وصالها إنما هو مايع غليظ كالمني الذي يدفقه الرجل العقيم من دون أن يكون فيها نطفة ذات حياه، ولكن المرأة تجود بيضتاها في كل شهر متناوبا بنطفة واحدة تسمى في اصطلاحهم أول ليس في داخل غشائها الا ماء الحياة التي سموها پروتوپلاسم وهي التي تلاقيها نطفة واحدة من ملايين نطف الموجودة في منى الرجل فيخلق من لقاحهما واجتماعهما علقة صغيرة تكون أصل الجنين.
فشخصية الجنين وحقيقة نفسيته من النطفة التي يدفقها الرجل وإدامة حياته مما في نطفة المرأة من ماء الحياة، والى ذلك تشير قوله تعالى " ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " القيامة: 37 - 39.
وهي التي تسمى في الآيات والروايات بالنفس، فإذا نام الانسان قبضها الله وتوفاها عارية ناقصة، ثم إذا مات قبضها وتوفاها كاملة بتة. واليه يشير قوله تعالى " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى أن في ذلك لايات لقوم يتفكرون "، الزمر: 32.
فكما أن الجنابة تحصل بخروج واحدة من تلك الأنفس الكثيرة عند الجماع والاحتلام مثلا، كذلك تحصل بخروج نفسه عند الموت الا أن الحي يغتسل من جنابته بنفسه، والميت يغسله وليه المسلم.
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست