وقال بكر بن عبد الله المزني: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية وإنما خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلاح وقال عيسى عليه السلام:
مالكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان؟ وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري؟ البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.
ومنها أن يتواضع بالاحتمال، إذا سب وأوذي وأخذ حقه، فذلك هو الأفضل.
وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله: فبه ينبغي أن يقتدى، ومنه ينبغي أن يتعلم، وقد قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال:
يا ابن أخي كل لله، واشرب لله، وكل شئ من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف.
وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعالج في بيته: كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري الشئ من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، فينقلب إلى أهله، يصافح الغني والفقير، والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة.
ليس له حلة لمدخله، وحلة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلا حشف الدقل (1) لا يرفع غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، هين المقولة، لين الخلقة، كريم الطبيعة جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس شديدا من غير عنف، متواضعا من غير مذلة، جوادا من غير سرف، رحيما بكل