ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين، ومهما اتضح الحق على لسان أحدهم أنف الاخر من قبوله، ويتشمر بجحده، ويحتال لدفعه، بما يقدر عليه من التلبيس، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين، إذ وصفهم الله تعالى فقال:
" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " (1) وكذلك يحمل ذلك على الانفة من قبول الوعظ كما قال تعالى: " و إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم " (2) وتكبر إبليس من ذلك.
فهذه آفة من آفات الكبر عظيمة، ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وآله الكبر بهاتين الأفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس، وفي حديث آخر من سفه الحق، وقوله: " غمص الناس " أي ازدراهم واستحقرهم، وهم عباد الله أمثاله، وخير منه، وهذه الآفة الأولى، وقوله سفه الحق هو رده به وهذه الآفة الثانية.
ثم اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار. فهذه سبعة.
الأول: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء، ولذلك قال صلى الله عليه وآله: آفة العلم الخيلاء فهو يتعزز بعز العلم، ويستعظم نفسه، ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهايم، ويتوقع منهم الاكرام والابتداء بالسلام، ويستخدمهم ولا يعتني بشأنهم، هذا فيما يتعلق بالدنيا وأما في الآخرة، فبأن يرى نفسه عند الله أعلى وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر مما يخافه على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم، وهذا بأن يسمى جاهلا أولى من أن يسمى عالما، بل العلم الحقيقي